المادة    
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أرسله الله بالهدى ودين الحق وأثنى عليه ووصفه بالخلق العظيم، وجعل رسالته رسالة أخلاقية، وبعثه ليتمم به مكارم الأخلاق، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله، ورضي عن أصحابه الكرام، والتابعين لهم بإحسان، الذين اقتفوا منهجه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، فدخل الناس في دين الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لِما رأوه من أخلاقهم!! ولِما لمسوه من القرآن الذي يتحرك حياً!! متمثلاً في المعاملة التي لم تشهد البشرية لها نظيراً لدى أي فاتح من الفاتحين!! فدخل في دين الله -نتيجة ذلك- أمم لا تحصى، ما كانت لتدخل لولا هذا الخلق الكريم، وهذا التعامل الرباني العظيم، أما بعد:
إنه لجدير بنا أن نتبصر وأن نتذاكر، وأن يعظ بعضنا بعضاً فيما يتعلق بشئون دعوتنا والقيام بها، وجميعنا في زحمة المشاغل والعمل قد ينسى عيوبه أو بعض أخطائه، وقد يفوته الوقت لتدارك نقائصه، وكل بني آدم خطَّاء، ونحن لا نخلو من النقائص والعيوب أبداً، فجدير بنا أن نتحادث وأن نتذاكر فيما يقربنا إلى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ونحتسب عند الله عز وجل ما نقضيه من الأوقات ونحن نعظ أنفسنا وإخواننا، ونرقق قلوبنا لنعرف في أي طريق نسير، وما هي المعالم التي يجب أن نسلكها، وما هي الأخطاء التي يجب أن نتجنبها.
نحن ننتمي إلى الإسلام، وهذا الانتماء هو الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به وسمانا به. ورسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو إمام الدعاة، وهو القدوة والداعية المعلم الذي أمر الله تبارك وتعالى باقتفاء نهجه، وأن نتأسى به في دعوتنا وخلقنا ومعاملاتنا وعباداتنا وكل حال من أحوالنا، أنزل الله تبارك وتعالى عليه ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ))[يوسف:108].
كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المثل الحي لأصحابه، كان كما وصفته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: {كان خلقه القرآن} ما كان في القرآن من خلق فهو في النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وكانت حياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترجمة واقعية حية لما ينزله عليه الروح الأمين من عند ربه -تعالى- من الآيات البينات في التوحيد، والإخلاص، واليقين، والتوكل، والصبر، والجهاد، والمصابرة في الدعوة، والمثابرة في العلم، وفي المعاملة، والمعاشرة، والرفق، والحلم؛ كما أثنى عليه تبارك وتعالى في قوله: ((وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ))[القلم:4].
فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يخلق ما يشاء ويختار، وقد اصطفى واختار هذا النبي العظيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ليكون معلماً للبشرية في كل مكان وفي كل ميدان.
وما من دعوة سواء كانت هذه الدعوة حقاً أم باطلاً إلا وهي تحاول أن تدعي الطابع الأخلاقي والصفة الأخلاقية؛ لكي تنتشر ولكي تروج، وما من داعية أياً كانت دعوته وإلى أي شيء يدعو، إلا والأخلاق سمة بارزة في دعوته أو يحاول أن يكون كذلك، فكيف بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! وكيف بالصحابة الكرام؟! وكيف بهذه الأمة التي أمرها الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن تكون ربانية، ورباها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى كانت كذلك؟! فمن اتبع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو بمقتضى هذه الآية لا بد أن يتخلق بخلقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدعوة إلى الله.
  1. الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أخلاقه

  2. الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في سيرته

  3. ما يؤدي إليه جهل الداعية بالسيرة

  4. شمولية الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم

  5. الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في كيفية عرض الحق

  6. الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المذنبين

  7. الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في في التعامل مع الجاهلين

  8. الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في عدم المداهنة في الدين